بقلم الدكتور: ع.المراكشي الغواسلي / لا يمكن أن يجادل اثنان في الدور الكبير والمهم والحيوي الذي قام به الأطباء والممرضون في مواجهة هذا الوباء العالمي اللعين المسمى كوفيد19، فقد استرخصوا الغالي والنفيس من أجل التخفيف عن المرضى والمصابين الذين لا تعرف أعدادهم – مع الأسف الشديد – إلا ازديادا وتكاثرا يوما بعد يوم، وقد آلمني كثيرا أن يفقد العديد منهم حياتهم، إذ يعتبر ذلك خسارة كبيرة للوطن الذي أنفق الكثير من أجل تكوين نخبة مهمة من أطره وتخريجها. وإذا كنا نعتبر هؤلاء شهداء الواجب والمسؤولية، سائلين الله لهم العفو والمغفرة، فإن المؤلم حقا أن تجد منهم من يعاني من بعض القرارات البيروقراطية التي تزيد من معاناتهم وتعطيهم إحساسا بالتهميش واللاإعتبار.
ولو قرأنا جيدا التاريخ المغربي المجيد، لوجدنا أن الطبيب على مدى عصور وقرون قد حظي بمكانة مرموقة واعتبار خاص : ومن أحسن ما يروى في ذلك ما ذكره المؤرخون عما قام به المنصور الموحدي إزاء الطبيب الشهير أبي بكر بن زهر الأندلسي الذي قربه إليه وجعله في مدينة مراكش من خاصته الأقربين، ولم يكن الطبيب قد ارتحل إلى مدينة مراكش بأهله وذويه، فكان يعز عليه أن يستمر على فراقهم دون أن يراهم من حين لآخر ، وقد هزه الشوق يوما إلى أن يتذكر ابنا له صغيرا فقال :
ولي واحد مثل فرخ القطا & صغير تخلف قلبي لديه
نأت عنه داري فيا وحشتي & لذاك الشخيص وذاك الوجيه
تشوقني وتشوقته & فيبكي علي وأبكي عليه
وقد تعب الشوق ما بيننا & فمنه إلي ومني إليه
فلما سمع المنصور هذه الأبيات التي تظهر لوعة الطبيب الشاعر واحتدام شوقه وشدة وجده، أرسل جماعة من المهندسين ليراقبوا منزل ابن زهر في اشبيلية، وما يجاوره في حارته، وطلب منهم أن يبنوا شبيها له في إحدى ضواحي مراكش، وأن يضيفوا إلى البناء ما يجعل الحارة شبيهة بالأصل، وأن يزينوه ويفرشوه بمثل ما كان يزين به منزله في الأندلس، ثم حمل إليه أهل ابن زهر، وآنذاك أخرج الخليفة المنصور طبيبه من القصر وجعله أمام البيت الجديد، فاضطرب وكاد يغشى عليه، وكم اشتد عجبه لما أدخل إليه فوجد زوجته وابنه المشتاق إليه، وفرشه العادية.
إن هذه العناية بأهل العلم كانت تدفع الناس إلى العمل الجدي من أجل البلوغ إلى المراتب العلمية الجليلة التي ترفع من كيانهم، وكيان الدولة التي ينتمون إليها.
إن الجهود الكبيرة والجبارة التي بذلتها الدولة في بناء العديد من المستشفيات الحكومية والجامعية لا يمكن لعاقل أن ينكرها، ولكن مازالت هناك جهود أخرى ينبغي أن تبذل في خدمة العنصر البشري وتأهيله والعناية به، لأنه صمام الأمان في مواجهة التحديات التي نواجهها هذه الأيام العصيبة والتي يمكن أن نواجهها في المستقبل.
إننا ونحن نحتفل هذا اليوم الأغر بالذكرى الخامسة والستين لاستقلال المغرب، ينبغي أن نكون في مستوى هذه اللحظة التاريخية لنربط الماضي التليد بالحاضر المجيد، وما ذلك على همة هذا الشعب الأبي بعزيز.