تعتبر الهجرة ظاهرة كونية عرفتها البشرية منذ أقدم العصور وإلى اليوم ؛ وقد تعددت أسبابها بين ما هو ديني وبين ما هو اقتصادي صرف وبين ما هو علمي وبين ما هو سياسي محظ وجميع هذه الأسباب ساهمت ولازالت تساهم في هذه الظاهرة الكونية.
في هذا المقال الصغير سنحاول الحديث عن الهجرة من الجنوب الى الشمال نظرا للمآسي التي يعرفها المتوسط والعالم المتوسطي كل سنة وكل فصل .
وتعد الهجرة من الجنوب الى الشمال إحدى مآسي القرن العشرين و الواحد والعشرين وهي مرتبطة أساسا بالفقر والحرمان الذي تعرفه دول الجنوب وغياب فرص التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية بهذه الأقطار ؛ وعدم وجود أي نية صافية نقية من دول الشمال لحل هذه الظاهرة رغم أنها تساهم بملايير الدولارات في هذا المجال ؛ لكن بدون حسن نية مادامت دول الشمال تخلق بين الفينة والأخرى حروبا أهلية بالجنوب وتدعم الانقلابات العسكرية والسياسية وتستحوذ على خيرات الجنوب المتنوعة ؛ وهذا ما يفاقم الظاهرة الكونية ويولد الانتقام التاريخي لدى سكان الجنوب نظرا لإحساسهم دائما بعقدة النقص والتهميش والتبعية المطلقة للشمال وهو في حد ذاته سوء تدبير وتقصير من طرف الشمال الذي يحاول بشتى الطرق الإبقاء على الوضع الدولي كما يبدوا وكما يحلو له .
إن ما يتوفر عليه الجنوب من مقومات طبيعية وبشرية وحضارية كفيل بالقضاء النهائي على هذه الظاهرة أو على الأقل النقص من أعدادها اذا وجدت الإرادة من الداخل والخارج ؛ لكن هذا يتطلب انخراط الكل وعلى وجه الخصوص دول الشمال المسؤول الأول والأخير على الوضع لأن تاريخ الاستعمار والإمبريالية لا يكذب ولا يرحم ؛ وذلك باستبدال النظرة الدونية للأخر الهامش أو المهمش … والمبادرة للمساهمة في عالم مشترك للجميع يقوم على مبدأ المساواة والانصاف بين شعوب الارض .
ذ : رشيد الوارتي أستاذ التاريخ والجغرافيا فاس.