لا يمكن أن نعرف حدود الشيء إلا حين نتجاوزه…
في القطار كان من السهل أن أتبرأ لنفسي ولسمعتي وأغير المقصورة… لكن الصورة التي وضعت بين أيديكم لم تكن لتكتمل لو أنني لم أتجاوز حدود المجتمع المنافق الذي كان يمر بجوار المقصورة ويسبني من خلف الزجاج لأني بينهن، ويغبطني في نفس الوقت لنفس السبب…
القطار كان نموذجا مصغرا للمجتمع الذي نعيش بأوجه وبأقنعة متعددة…
نحن نفرش البساط الأحمر الفاقع لنمشي عليه في العلن، ونكنس بائعات الهوى تحت البساط كما يكنس الوسخ، لأننا في حاجة إليهن، وفي نفس الوقت لا نريد ظهورهن للعلن…
ننافق بعضنا لكننا لا نستطيع نفاق خالقنا… نبني هرما زائفا من السمعة الطيبة، وحين نموت سينهار ذلك الهرم على حقيقتنا…
الشجاعة ليست في أن تفرض نفسك على الآخرين، بل في أن تكون نفسك…
رحلة القطار كانت رحلة حياة، وأطول سفر ركبته في حياتي…
تحدثت معهن كثيرا، وأفرجن بكرم عن كم كبير من المعلومات المظلمة عن أبناء وجهاء فاس والعائلات الكبيرة، وعن أشخاص أعرفهم، فصّلن في عيوب كل منهم في التعامل، وفي وفي وفي…
السرير كالقبر يعري الحقائق…
أحببتهن، وتعلمت منهن الكثير، كنت كتلميذ في محراب العلم. وأهم ما تعلمته ألا أحكم على الغير من النظرة الأولى، وأن أحب قبل أن أحكم. لأن الحب يسدد الأحكام، ويقوّم المواقف. وهو ما لخصه الفكاهي الفرنسي الشهير Coluche في سطر:
Pour critiquer les gens il faut les connaître, et pour les connaître, il faut les aimer