الصورة أدناه لفيلا بنيت كمسكن وظيفي لمدير إعدادية عبد القادر الفاسي سنة 1998 ، وتوسطت المساحة الفاصلة بين جنان العلمي ومنحدر عين بوفاوز بحي سيدي بوجيدة العظيم.
شيدت هذه البناية في مجال جغرافي جزء من المنازل فيه سقط وهاجر أصحابها لأحياء أخرى ، وجزء كبير مهدد بالسقوط ومصنف من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة ، والجزء الأخير في غالبيته ينتظر فقط الإجراءات القانونية والترتيبات الإدارية للدخول في لائحة المنازل الآيلة السقوط .
لا زلت أتذكر النقاشات الساخنة التي طبعت فترات الاستراحة ونحن تلاميذ في السلك الإعدادي حول هذه البناية العجيبة ، وهذه الكتلة الخرسانية الغريبة ، وأسباب انبعاث هذه الطفرة العمرانية على حين غرة في قلب حينا الشعبي ، والذي لم يتوقع أكثر المتفائلين في حينا أن تستوطن فيلا قلب نسيج عمراني غير متجانس، ولا يحترم في مجله ضوابط البناء وقوانين التعمير.
قضينا الساعات الطوال ونحن نفكر في بيوت هذه البناية العجيبة ونتصور رحابة غرفها وشساعة صالوناتها ، وتخيل بعضنا أن فيها مسبحا كبيرا يتسع لكل أطفال الحي ، كما أكد البعض بلسان جازم أن فيها مكانا كبيرا مخصصا فقط للألعاب والترفيه على أبناء المدير .
كانت هذه البناية بالنسبة لنا فرصة مناسبة للتخيل والهروب من جحيم الهشاشة المفروض قسرا على دروبنا وأزقننا ، نتخيل فيها كل ما يفتقده حينا الهامشي من مرافق أساسية وبنيات تحتية ، لدرجة أن أحد التلاميذ المحضوضين ممن اتيحت لهم الفرصة ذات يوم لولوج هذه المنشأة العجيبة ، حلف لنا بأغلض الإيمان أن الحديقة الخلفية للفيلا بها أسد وزمرة من الأشبال وصغير زرافة.
كما أن حمى التخيلات لم تقف عند التلاميذ والتلميذات ، بل وصلت أعراضها لبعض ساكنة الحي ، وتنوعت التفسيرات والتحليلات حول أسباب هذا النزول الغير متوقع ، حيث استنتج بعض الشباب بعد كثير من التداول والجدال ، بأن الفيلا وضعت هنا لجس نبض الساكنة حول مشروع لتهجير كل الأحياء المتواجدة على ربوع سفح جبل زلاغ الشامخ ، وبيع أراضيها جملة لمستثمرين أجانب من أجل إقامة منتجع سياحي ، بينما خلصت النقاشات حامية الوطيس لأمهات تلاميذ الإعدادية في حلقيات النقاش المنتشرة على جنبات أبواب الإعدادية، إلى أن المدير المعين قريب أحد المسؤولين الكبار بالرباط، وبالتالي تم مجاملته بسكن وظيفي يليق بالمقام .
ومرت السنوات مسرعة، ونتفاجأ بأن هذه البناية المشيدة وفقا لأحدث قواعد المعمار الحديث، قد أصبحت أطلالا تئن من وطأة الإهمال والتهميش ، وتآكلت جدرانها وهجرها قاطنوها ، وأصبحت ملاذا للحيوانات الضالة ومأوى لبعض المتسكعين ، بينما المنازل التي كانت آيلة السقوط آنذاك ، لا زالت شامخة في عنان السماء ، ولا زالت تتحدى بكل أنفة كل عوامل الطبيعة وقرارات الإفراغ.
فهل أصيبت الفيلا بلعنة الهشاشة التي استوطنت مفاصل حينا الغالي ؟؟ أم أن هذا النسيج العمراني الشعبي أكد بالملموس أنه سيلفظ كل نزعة تحديثية لا تراعي خصوصيته، وتشوه منظره التقليدي؟؟.
بقلم.. علي لقصب.