السياسة بئيسة، وفيها تقترف ” جرائم ضد الإنسانية”، أنا شاهد على ذلك.
سنة 2014 وجدت الراحلة سمية بنخلدون نفسها في قلب الطاحونة، جريمتها أنها فعلت ما تفعله إلاف النساء في المغرب؛ تزوجت ، كان زواجها الثاني وفي إطار تعدد الزوجات.
كان يمكن للقصة أن تمر كما آلااف القصص في هذا البلد المزواج/ المطلاق. لكنها تزوجت في ساحة الوغى: هي قيادية ووزيرة في العدالة والتنمية، وكان على البيجيدي أن يسقط من الحكومة.
بدت المرحومة وزوجها مثل هدف مضمون؛ حيثما تقذف الكرة يمكنك أن تسجل في الشباك؛ من زاوية ” التعدد في الزواج” هو هدف، من زاوية “الكوبل الحكومي” هدف آخر، ومن Var “كرامة المرأة” هي ضربة جزاء ..
كنت كتبت مقالا في الموضوع، أظنه اليوم كان قاسيا. كتبته لأن منطق الصراع الايديولوجي والسياسي يومها فرض ذلك، بينما عمقي الإنساني لم يرتح له.
أقول هذا بينما كنت أناقش بشكل نظري ازدواجية المنطلقات، كان يهمني الحزب وليس سمية بنخلدون، أما آخرون فكانوا في حفلة تشهير مرعبة تأتي على سمية والحزب، على الأخضر واليابس.
حين يطلق أحدهم الطاحونة، كانت تنطلق عمياء، لا رحمة ولاشفقة.
في هذا الزواج، لم تهمهم/ هن كرامة النساء، ولا التعدد، ولا وقار منصب الحكومة … تلك كلها فدلكات لشرعنة العدوان على حياة شخصية، الهدف كان سياسيا ومنطلقه سياسي: حزب في الحكومة يجب أن يضعف ليسقط.
وأيا كانت الضربات التي يقتضيها ذلك، ولو في غرف النوم، كنت مختلفا مع “قومي الايديولوجي” في هذه النقطة أشد الإختلاف والخصام.
والغريب أن حتى بعض إخوانها وأخواتها في الحزب لم يرحموها.
كان الضرب فيها مبرحا، لكنها لم تتكلم، تألمت في صمت وظلت تردد ما تيسر من سورة مريم. ‘ إني نذرت للرحمن صوما، فلن أكلم اليوم إنسيا”.
انتبه “الحداثيون” إلى ما هو مفيد ظرفيا في السياسة، ولم يتوقفوا عند ماهو من صميم هويتهم: الحرية الفردية، وامرأة انتصرت لحبها وضحت لأجله.
كان بإمكانها أن تعيش قصص حب الظلام غير المهيكلة كما في حال إخوان وأخوات لها، أو أن تعيش التعدد في الإرتباط العاطفي كما تفعل بعض مدعيات ” الحداثة” …. لكنها فضلت أن تنتصر لنفسها ولقناعاتها: زواج بالشرع والقانون.
ولو تطلب الأمر التضحية بوزارة، وتحمل نظرات وتعاليق مجتمع منافق، وأظنها لو وضعت بين خيار الحزب والزواج، لاختارت قضيتها : سمو الحب الخالص.
هذه قصة حب عظيمة، لكن السياسة حقيرة وسخة، والناس تمقت الوضوح وتهوى قصص الظلمة.
وماذا بعد كل ذلك؟
تغيرت الأوضاع السياسية ومشاهدها، تبدلت الظرفيات، انهزم البيجيدي بعد ذلك بسبع سنوات ورحل .. لكن الضرر الإنساني في النفوس يبقى قائما لايرحل.
في السياسة نطحن البشر، ولايهم ما يحدث بعد ذلك: في نفسية الضحية التي يتم التشهير بها، في نفسية الأبناء والأسرة والعائلة.
من طباع السياسة أنها تلعب بقسوة، لكنها عندنا تلعب بوحشية.
وكانت سمية رحمها الله ممن لفحتهم نيران التوحش هذه.
وأنا آسف لأني كنت طرفا في هذه الجوقة، أتأسف لهذا، حتى وإن لم أكن ضمن قطيع الطاحونة.
وداعا أيتها المرأة المحبة للناس، الصبورة على الأذى، وإن كان هناك من درس لنا جميعا في هذا الرحيل المفجع، فهو أن حياة الناس خط أحمر، والتشهير جريمة أيا كان مصدره وغايته ومبرراته.
رحمات الله عليك، ورزق السي الحبيب الشوباني جزيل الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.