بقلم الكاتب الدكتور هشام خلوق صالح.
أحلامي البطنية شرقية، والأفراح الملاح في ذاكرتي الطفولية مختزلة في أربعة أركان:
“الدجاج” “المحمر” “المقرمش” “المدغمر”
مع شرط الرائحة طبعا وأبدا…
لست بفقيه، وليس من حقي إصدار الأحكام الشرعية، لكنني أعتبر رائحة الدجاج الزكية إشهارا شرعيا للزواج…
وبعيدا عن الأحكام الفقهية، أحتفظ في مخيلتي بالكثير من الحب لتلك الرائحة التي كثيرا ما حملتني لعالم أفتقده، عالم الطفولة الجميل. كانت رائحة الدجاج المحمر تقودني إلى مواقع الأعراس وكأنها إشارات مرور شمية… دورها كان هادئا وهادِيًا خِرِّيتًا، يشتمها القاصد من بعيد، ومعها لا يحتاج للسؤال عن منزل العروس.
العرس الفاخر يعرف من رائحة مطبخه…
وإذا كان المطبخ المغربي يزين القائمة الثلاثية لأحسن مطابخ العالم، فإن الدجاج المحمر والمدغمر يتربع على قائمة أحسن الأطباق المغربية وأقلها تكلفة. وللأسف أعراسنا المتأثرة بالرياح الغربية والتركية أصبحت تستغني عن ألذ ما يميز العرس التقليدي، من أجل أطباق باهظة التمن، ولحم مطلي بالذهب، وأسماك غير منسجمة مع أجواء العرس، فقط لأن الدجاج لم يعد يعبر عن الثراء.
وإن كانت أعرافنا المغربية لا تقبل تعويض طبق الكسكس يوم الجمعة بغيره، حتى ولو كان الكافيار الذهبي والملكي، فكذلك الدجاج المحمر في العرس، لا يمكن تعويضه بغيره، لأنه ببساطة تجسيد للخصوصية المغربية، وبصمة تعكس تفردا في الهوية الثقافية لدولة لها تاريخ عريق.
القضية إذن أكبر من مجرد طبق يقدم، ورائحة تشم…