بقلم : أبو أويس /
تتسارع الأحداث يوما بعد يوم، ويتشعب الخلاف الدبلوماسي الناشئ مؤخرا بين المغرب واسبانيا على خلفية تورطها في استقبال زعيم حركة البوليساريو الانفصالية بوثائق مزورة، ومع قرار المغرب رفع يده عن قضية الهجرة السرية إيمانا منه بأن الشراكة بين الدول لا تكون في اتجاه واحد، وقد اسالت هذه الأحداث مدادا كثيرا وصفا وشرحا وتحليلا واستنتاجا.
لكن الأمر الذي يفرض نفسه على الجميع والكل يعلم مدى قوته وواقعتيه هو أن المغرب اليوم يعيد كتابة التاريخ في المنطقة وبالخط المغربي أيضا!
فلقد ركز المغرب في عهد الملك محمد السادس عل تقوية البنية التحتية للمغرب لتكون مستعدة لاستقبال كل أشكا التطوير الصناعي والاقتصادي المعاصر فكانت شبكة الطرق والمواصلات ووسائل الاتصال وتقوية شبكة الانترنيت وتبسيط المساطر والقوانين وبناء الموانئ وتهيئة المناطق الحرة وتأهيل اليد العاملة زيادة على توفر الأمن والاستقرار السياسي، كل هذا ساهم في توفير الظروف الملائمة لتوافد الشركات العالمية للاستقرار والعمل بالمغرب ولا داعي هنا لأسرد عليكم ما حققه المغرب في صناعة السيارات و صناعة الطيران والصناعات الغذائية والفلاحية والكهربائية وإنتاج وتصدير الطاقة المستدامة والصديقة البيئة..
كل هذا جعل المغرب يبدو كغول مخيف لجنرالات الجزائر الكسالى الذين استنزفوا خيرات هذا الشعب الشقيق وكتموا على أنفاسه تحت الفقر و”الميزيريا” رغم أن أرضهم تملك من الخيرات ما تغنيهم عن السؤال.
كل هذا وبالإضافة الى العقدة التي تشكلها الصحراء المغربية بالنسبة لحكام الجزائر جعلهم يفكرون ويخططون من أجل إشغال المغرب عن مشاريعه وأهدافه فحركوا كلابهم بالكركارات ولم يفلحوا، ثم بالمنطقة الشرقية ولم تلتفت إليهم السلطات المغربية علما بأنها تراقبهم عن كتب وتعرف حدود قوتهم ومجال تحركهم .
إلى أن تفتقت أفكارهم النيرة واستخباراتهم المكشوفة عن فكرة ترحيل زعيم الانفصالين ابراهيم غالي أياما قليلة بعد إعلانه الحرب على المغرب إلى إسبانيا في واحدة من أغبى الخطط الاستخباراتية التي كشفت عن قدرة المغرب على مراقبة خصومه وأعدائه في أدق التفاصيل وحتى البطوشية منها.
اما اسبانيا التي ابتلعت الطعم لم يكن هذا الطعم لتهضمه لو لم تكن تحمل نفس الأفكارعن المغرب ولها نفس الأهداف مع الجزائر ألا وهي إلهاء المغرب عن مشروعه الحضاري حتى لا يكون قوة منافسة او فاعلة في المنطقة، لكن كشف المغرب لتورط أربع جنرالات في القضية وتوفره على المعلومات الدقيقة، قلب الطاولة على اسبانيا اليمينية والجزائر العسكرية ليهرب العساكر وتجد اسبانيا نفسها وسط فضيحة استخباراتية مدوية وأزمة دولية لم تقترفها بإرادتها الكاملة .
وهنا بالذات وبعد أن كتب المغرب الفصل الأول من التاريخ الحديث في الكركارات وكتب الفصل الثاني في تعمير لكويرة وكتب الفصل الثالث باعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحرا وكتب الفصل الرابع بتوالي افتتاح قنصليات دول افريقيا والعالم بالعيون وكتب الفصل الخامس بالعودة الى الاتحاد الافريقي وكتب الفصل السادس بالاستثمارات الهائلة داخل افريقيا وتمتين العلاقات مع مورطانيا التي حاولت الجزائر ان تجعلها بؤرة اخرى لصالحها وقف ليكتب فصلا آخر من فصول الأمة المغربية أمام اسبانيا ويقول لها استفيقي من السبات فمغرب اليوم ليس كمغرب الأمس.
أما إذا نظرت الى أرقام المعاملات الاقتصادية والسياحية فسوف تظهر لك الندية المادية بين الدولتين وهذا فصل آخر، وما وقوف السفيرة كريمة المغرب برأسها العالي تعلم وزيرة الخارجية الإسبانية أصول التخاطب الديبلوماسي و وأساسيات التعاطي السياسي مع الأحداث، كما تخبرها بصفة مباشرة أن المغرب أخذ علما بالمخططات والدوافع الخفية لجناح في الحكومة الإسبانية المتصلب ضد مصالح المغرب العليا، وأن المغرب سيعمل وفق هذه المعطيات، وهذا فصل آخر من التاريخ وأما عن جنرالات الجزائر فإن المغرب لم يعطيهم أكبر من قدرهم وتركهم يقتلون بعضهم البعض على أمل أن يعرفوا كيف تم اختراقهم وكشف مخططهم البطوشي، الذي كشف انكسارهم وضعفهم الى أن خرج شنكريحة وحده يتلعثم ويخطب في العساكر محجرا من عدو محتمل في ذهنه البائد ، وهذا فصل آخر من التاريخ تخطه السياسة المغربية الناعمة.