فالنسيا – حوار : خالد الشاوي
في سوريا .. ذهاء الحسن الثاني .
ف الجزء الثاني من حوارنا مع الصحفي والمحلل السياسي الاستاذ عبد العلي جدوبي ، سيحدثنا عن زيارة الحسن الثاني للجمهورية السورية (اكتوبر 1992 ) ،بدءا بزيارته لمقبرة الشهداء المغاربة ،قبل المحادثات الرسمية مع الرئيس السوري حافظ الاسد ،وما تخللته تلك الزيارة الملكية من بعض الاجراءات التي كانت تسير عكس تيار الاحداث .
س / ألم يتغير برنامج الرحلات من السعودية ؟
ج / الرحلات الملكية كانت دائما تنطلق من مدينة (تبوك ) تقع بالشمال الغربي للسعودية على البحر الاحمر ،تبعد بحوالي سبعمائة كلم عم مدينة (جدة) ،فمن (تبوك) تنطلق الرحلات وتكون العودة اليها من جديد في اليوم نفسه !
انطلقت الطائرة الملكية والوفد المرافق للملك الى سوريا ..ففي العاصمة السورية دمشق كان جلالة المغفور له رجلا حكيما مع القادة السوريين ، فقد عمد الرئيس السوري حافظ الاسد تغيير بروتوكول الزيارة الملكية في آخر لحظة ،اذ كان مقررا ان يحضر الرئيس حافظ الاسد لاستقبال الملك بالمطار ،لكنه تغيب وكلف وزير الخارجية انذاك (فاروق الشرع ) والجنرال مصطفى طالاس (قائد القوات العربية في حرب الجولان ،والذي انشق عن الرئس بشار الاسد خلال حرب سوريا الاخيرة )..
ويبدو أن المغفور له الحسن الثاني لم يكن راضيا تماما على هذا الاجراء غير المقبول والذي لم يكن ساريا في العلاقات العربية /العربية ؛فبذهاء جلالته المعهود غير برنامج البوتوكول ،وقرر بادئ الامر مباشرة بعد نزوله من الطائرة الملكية التوجه صوب مقبرة الشهداء (نجها) بمحافظة ريف دمشق تبعد ب :13 كلم ،وذلك للترحم على أرواح الشهداء المغاربة الذين استشهدوا في حرب الجولان دفاعا عن الاراضي السورية
(170 شهيد ..المقابر لاتتضمن اسماء الشهداء )..
فمن الناحية البروتوكولية ،يشكل توجه جلالة الملك لمقبرة الشهداء قبل المباحثات الرسمية مع الرئيس حافظ الاسد ،لهو تأكيد على التزام جلالة الملك بالتضامن العربي ،ودور المغرب في هذا المسعى ،وتقديرا وإجلالا لأرواح الشهداء من الجنود المغاربة ، وهي اشارة عتاب للرئيس السوري الذي غدر بالجنودالمغاربة أثناء معركة الجولان ، والذين تقدموا كثيرا الى جبهة المعركة الامامية دون تأمين من طرف القوات السورية التي تركتهم يلقون مصيرهم ،لولا تدخل القوات العراقية التي تكلفت بتأمين سلامة الجنود المغاربة ،وخروجهم من وسط فوهات المدافع الاسرائيلية بأقل الخسائر البشرية !
س/ لماذا اختار الحسن الثاني سوريا ضمن جولته العربية ؟
ج / الزيارة حملت دلالات أكثر أهمية ورسائل سياسية ، فبالاضافة الى العلاقات التي كانت متوثرة بين سوريا وبين معظم العربية ،بسبب سياسة حافظ الاسد الذي كان يعتبر نفسه خلال تلك الفترة من حكمه كلاعب رئيسي على الساحتين العربية والدولية ؛ فباستثناء استأناف دمشق علاقتها مع القاهرة بعد قطيعة دامت عشر سنوات1979/1989 ،بسبب توقيع مصر لمعاهدة كامب دايفد مع اسرائيل ،كانت علاقات سوريا متوثرة مع العراق بما تعتبره منافسة حزب البعث العراقي لحزب البعث السوري ، ومتوثرة ايضا مع جارتها الشمالية تركيا ومع بعض دول الخليج ،اما العلاقة مع طهران ،فكانت بين مد وجزر ؛ وبعد تفكيك الاتحاد السوفياتي الحليف الاستراتيجي لها ،كان لا بد للنظام السوري أن يجد البديل ،فوجد في الاتحاد الاروبي المصدر الحيوي الوحيد للحصول على المساعدات المالية ،واتخده من جانب اخر كوسيط في الصراع مع اسرائيل .
س/ قبل اجراء هذا الحديث معك ،قلت لي بأن الاعلام السوري لم يكن في مستوى الحدث !؟
ج. / هذا صحيح ،بل أظهر فتورا في التعامل مع الزيارة الملكية ،وكأن الامر يتعلق بحادث عابر !! لكن ، تعاقب الاحداث اظهرت أن زيارةجلالة الملك حققت انفراجا كبيرا في علاقة سوريا مع محيطها الاقليمي وعلى الصعيد الدولي ،وهذا بفضل حنكة وتبصر جلالة الملك ، ووقتها اشارت تقارير الخارجية الامريكية بشأن سوريا الى دور جلالة الملك الريادي والشجاع لفض الخلافات العربية ،وبالتالي ازلة بعض العقبات التي كانت حاجزا امام انفتاح سوريا على محيطها الاقليمي ..
س. / عرفت منك ان المغفور له الحسن الثاني امتنع عن اداء الصلاة بالمسجد الاموي ،ما السبب ؟
ج. /. بحسب احد المقربين من الملك الحسن الثاني وهو وزير الدولة الراحل مولاي أحمد العلوي الذي كان ضمن اعضاء الوفد المرافق للملك ، فإن الحسن الثاني قد امتنع عن اداء الصلاة بالمسجد الاموي تحديدا ، باعتباره المسجد الذي كان يشتم (بضم الياء) فيه جده الامام علي ابن ابي طالب من طرف الامويين ..!
س / ماهي حكاية ربان الطائرة الذي منع (بضم الميم) من التوجه مع الوفد الى مقبرة الشهداء ؟
ج / ربان الطائرة شاب وسيم اسمه حميد – لم اتدكر – اسمه العائلي كان يبكي بكاء شديدا ، ولما سألته عن سبب ذلك اخبرني بأن له اخا مدفون في سوريا بمقبرة الشهداء ولم يسمح له برافقة اعضاء الوفد الى هناك ، أخبرت وزير الدولة مولاي احمد العلوي بذلك ،فاحتضن الربان الشاب واصطحبه معنا الى مقبرة الشهداء حيث مدفون اخيه رحمه الله.
للموضوع صلة.